صرّح الدكتور محمد رزق، عضو مجلس الشيوخ المصري، بأن الدولة المصرية لم تكن يومًا، ولن تكون، رهينة لأي طرف في ملف بالغ الحساسية مثل أمن الطاقة، وأن ما جرى تداوله خارج السياق الفني والاقتصادي لا يرقى إلى كونه أكثر من توظيف سياسي داخلي إسرائيلي لا يستند إلى حقائق.
وأوضح رزق أن الادعاءات التي رددها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وروّجت لها بعض الصحف العبرية، حول امتلاك إسرائيل أوراق ضغط على مصر عبر ملف الغاز، تتهاوى أمام الأرقام والوقائع، فمصر كانت ولا تزال تؤمّن احتياجاتها من الغاز عبر مزيج متوازن من الإنتاج المحلي، وشحنات الغاز المسال، وسفن التغويز، بينما لا تتجاوز نسبة الغاز الإسرائيلي المنقول عبر خطوط الأنابيب نحو 17% فقط من إجمالي احتياجات السوق المحلي، وهي نسبة ثبت عمليًا قدرة الدولة المصرية على تعويضها دون أدنى تهديد لاستقرار منظومة الطاقة.
وأشار رزق إلى أن الاتفاقية في جوهرها صفقة تجارية بحتة، صيغت بعقلية اقتصادية احترافية تصب في صالح مصر، خاصة أن الغاز المستورد عبر الأنابيب يقل في تكلفته بنحو النصف مقارنة بالغاز المسال، ما يخفف الأعباء على ميزان الطاقة، ويمنح الدولة مرونة أكبر في إدارة مواردها، بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو ضغوط خارجية.
وأكد رزق أن الأهمية الاستراتيجية الحقيقية للاتفاقية تتجاوز مسألة تلبية الاحتياجات المحلية، إذ تعزز موقع مصر كمركز إقليمي لتداول وتسييل الطاقة في شرق المتوسط، مستفيدة من امتلاكها بنية تحتية فريدة ممثلة في محطتي إسالة الغاز في إدكو ودمياط، وهي ميزة تفتقر إليها معظم دول المنطقة، وتجعل من مصر الخيار الاقتصادي والمنطقي الوحيد لتجميع وتسييل الغاز وإعادة تصديره للأسواق الأوروبية.
وأضاف رزق أن التجارب السابقة أثبتت صواب الرؤية المصرية، مستشهدًا بمحاولة إحياء مشروع خط غاز “إيست ميد” خلال الإدارة الأمريكية السابقة، والذي سقط اقتصاديًا وفنيًا رغم الدعم السياسي، في مقابل ثبات الموقف المصري الرافض للدخول في مشروعات غير مجدية، وهو ما يعكس احترافية صانع القرار المصري وقدرته على الفصل بين الشعارات السياسية والحسابات الاقتصادية الواقعية.
وشدّد رزق على أن اتفاق يونيو 2022 بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مثّل اعترافًا دوليًا بالدور المصري المحوري، حيث يتم تسييل الغاز داخل المحطات المصرية ثم إعادة تصديره إلى أوروبا، بما يحقق عوائد دولارية مباشرة ويكرّس مكانة مصر كممر رئيسي وآمن للطاقة، لا كطرف تابع أو واقع تحت الابتزاز، وهو ما تؤكده أيضًا التفاهمات القائمة مع قبرص لمد خط أنابيب بحري إلى محطات الإسالة المصرية، في دليل إضافي على الثقة الإقليمية والدولية في الدور المصري.
ولفت رزق إلى أن كثيرين يتجاهلون حقيقة أن التردد الإسرائيلي في إبرام الصفقة لم يكن من موقع قوة، بل نتيجة مخاوف داخلية حقيقية تتعلق بأمن الطاقة الإسرائيلي نفسه، خاصة في ظل اعتماد نحو 70% من محطات الكهرباء هناك على الغاز، ومخاوف متزايدة بشأن محدودية الاحتياطيات على المدى الطويل، فضلًا عن الضغوط الأمريكية التي مورست لخدمة مصالح شركات الطاقة الكبرى، وعلى رأسها شركة “شيفرون”.
واختتم رزق بالتأكيد على أن اتفاقية الغاز لم تكن يومًا عبئًا على الدولة المصرية، حتى في الفترات التي حققت فيها مصر اكتفاءً ذاتيًا من الغاز، بل كانت أداة ذكية لتعظيم العائد من بنية تحتية استراتيجية كلفت الدولة مليارات الدولارات، وأن غياب هذه الاتفاقية كان سيعني عمليًا تعطيل محطات الإسالة أو تشغيلها دون جدوى اقتصادية، وهو ما يتناقض مع رؤية الدولة المصرية في تعظيم القيمة المضافة لمواردها وترسيخ دورها الإقليمي، مؤكدًا أن ما تحقق هو نموذج لقرار وطني رشيد يجمع بين حماية الأمن القومي وتحقيق المكاسب الاقتصادية في آنٍ واحد

















